انا لا أعرف حقا ان كانت مضامين التحية والتقدير والسلام حقيقية ، لكنني أعرف أن لغة تآلفوها الناس واتفقوا على نحويتها في مسار يفرض تصالح من نوع مطمئن ما، وهذا له صورته المختلفة من العمق والجدية، التي يتضح بها ومضها الحركي في اشكالها النفسائية، مع تعزيز الإشارة للحظة ما ان كانت بود او بخبر.
عادة انا أبتسم في مآزق تلتبس فيها الفهم لدى الآخر خصوصا وأنا لا اركز تماما بسبب دوشة السمع، واحيانا ذلك النوع من اللامبالاة التي تكرست فيّ بهذار ما يقوله الآخرون لي ، ربما هذا بسبب تجربة خاصة افضت بتأملات :
أن الناس اصبحوا يتكلموا من قوالب جاهزة، عادة تكون عبارة عن وشوشة وتشويه بعلاقات الناس بعضهم ببعض، مللت الإستماع لنفس الاتهامات التي لا يتوارى الناس حتى في ايجاد خصوصية تأليب لغوية وانفعالية خاصة بهم كيما نبدي اهتماما على سبيل إنفراد السيئ الملفت ، على الأقل يحترمونا ببذائة لائقة يروقنا فيها سجع كلمات وصور دلالية يتقبلها ما وراء سطحنا الإنساني، لكن أن يرددون الحركات والتماثيل واللغة والتكسير الضمائري نفسه ومطلوب منا انتباه فائق فهذا ما لا يحتمل ..
يقول بعض الناس كلام لا اكاد اسمعه بسبب ضجيج مجاور لمدكأي، وعادة يكون اغلبه ايمان مغلظة و الحديث كله عن اتفه قضية يومية او شخصية !.
يردد الناس سؤال شخصي واحد ” كيف حالك ؟ مرتاح ؟ مفتهن ؟ الأمور تمام ؟ كيف الأوضاع عندك ؟ ايش بتعمل هذه الأيام؟ وبعد نصف ساعة يعيد نصف هذه الأسئلة ، وكلما نظر اليك يكرر ” حياك الله ” او من هذا القبيل !
تذكرت أن كبار الفلاسفة والمفكرين والشعراء والروائيين والفنانين… لماذا كانوا يعتزلون الناس؟ رغم أنهم عاشوا في مجتمعات علاقته و حركته و ارتباطه وفضائه عموما أكبر من مجتمعنا الذي يتكدس في أمكنة معينة، لمضغ عشب القات طيلة ساعات دون نمذجة جلساته !
زادت الحرب بإمداد صيغة المقايلة هذه سوء ، وبما أننا مجتمع يفتقد التنظيم في كل شيء فإن مخرجات نقاشنا واحتداماتنا واختلافاتنا، ومضامين كل ذلك نجدها بالغة العشوائية و بقدر كبير من السطحية التي منذ البداية كانت نتيجة متوقعة للعيش في اللاهدف.
جهل وكبت ودين وفقر ينجز تبعية مقنعة وإيثار خبيث وثوار اغبياء و عبيد … إنما كل هذا مشفوع للعوام فهم : الإنسان الذي اوجدته ظروف غامضة البؤس والعجب، الإشكالية الأكثر والأخطر : حضور المثقف داخل هذه الحلزونية، يرممها بوسائله الخبيرة لتصمد أكثر أمام المطبات، و مسمّكا جدرانها لصد أي اختراق او مثاقبة واعية ، يحافظ على كل جزئية في عموميتها ويصك أبواب زنازينها، بل ويطلي سلالمها باللزاجة المبالغة، ويفتح في الذهنية ابوابا و نوافذ تطل على بساتين وخضرة متوهمة تماما، وما أن تألفها تكون قد نسيت أنها طحالب ليس الا، وتكون ايضا من ناحية صحية أقل احساسا قد فقدت قدرة تذكر لمعة الجواهر الحقيقية ، فتتخيل أن للهواء شكل بينما هي أعاصير مؤذية، وأن للماء طعم بينما هي مراكدة المستنقعات التي طفحت بك أكثر من انطفاحك الممحو من مخيلتك ، حينها فقط تطفو الاسئلة وتخيل الأهمية بمكان كهذا هي معاناة لا تنتهي، طالما وانت تصارع النتائج هناك ناسيا فسحة الحرية في الخارج، واهتزاز اوراق الشجر حيث لا نبطية ممكنة على حال .
يتجاسر كل شيء في هذه البوتقة اليمنية داخل الأطر والقوالب الصاخبة بنفس المعطيات، ودوال الإثباتات ونفس هندسة برامج الكيد والكاد مع تغير كلمات سر الأشكال و الإشكاليات، وكلها أخيرا مجسمات جحيمية لا يجدر بنا التعاطي معها اذا ما اردنا احترام الوقت واهمية الحياة ولسبيل منافذة حرة على حدائق حقيقية يجب علينا اختيار الإطلالة المناسبة، لخضرة الورقة التي اوجدتها فسيولوجية البناء الضوئي، لا حرية حركة الريح آنّا شاءت فهذا أمر يمكننا وصفة أكثر، اذا ما فهمنا قصة التطور والنشئ المتنافح بإسموزية مستويات تدفقاتنا، في حالة اسلوبية سائلة نتطور فيها ونتعادل بمستويات فرص متكافئة، لا تتميز فيها سوى وفقط قدراتنا الذاتية الخاصة، في خلق وابتكار اقصر الطرق لملئ فضاء عقولنا، ومن ثم ايجاد اوانيّ مناسبة لإنصباب معرفي ومهني يسهم في تشكيل كل هذه المهاجسة المتنورة والمتواضبة، المتنامية معها طرائق ووسائل النقل والاتصال والتواصل، لمد جسور عبور جديدة بدلا من تلك التي نمد اهترائها في ممارساتنا الحياتية، بواحدية متزمتة وخاوية من أي اعتبارات لقدر الإنسان المستخلف، على اقوم أشكال الإبتكار الالهي الموكل إليه حمل رسالة الحياة وفك تشافير انظمتها المعقدة ، والتي هي السبيل الوحيد للإيمان الذي يرتجيه إله تجلى كونه بوساعة جُلت له وصف حدود قدرته.